أعلم انك تشاهدنا من بعيد ، من وراء حجاب، و كم تتألم لحالنا، و لكنك لا تعلم كم الفراغ الذي تركته عندما رحلت ، كأنه ثقب اسود يلتهم كل ذكريات طفولتي بعنف و بلا هوادة. يلتهم حتي الأماكن اللتي عشنا فيها، و قد تجسد كل ذلك حين زرت حينا القديم اخر مرة، لأجد الخضرة و قد تلاشت و ألتهمها وحش الاسفلت الاسود و الكباري القاهرة ، تقهر كل من حاول السير علي الاقدام ، تقهر كبار السن و الاطفال وتقهر كل من له ذكري في هذا الحي العريق. كنت ابحث عنك في ملامح الشوارع و اجتر ذكريات خروجاتك و انا صغير امسك بيدك ، و لكن هيهات ان اجدها ، ف كل شيء حولي يصرخ في اذني و امام عيني ، توقف عن البحث أيها المسكين فما تبحث عنه ذهب و لن يعود. لا اعلم ماذا يريدون منا، ف كل شيء شاخص امام اعيننا هو مثال لانعدام الرحمة ف القلوب، ارصفة غير صالحة، نظرات غضب في كل من ينظر اليك ، حتي البيوت صارت قديمة بلا اهتمام تعكس موت اصحابها و تنتظر مصيرها المقبض في الهدم لا محالة تحت ذريعة الصالح العام و توسعة الطريق. انظر ماذا فعلوا في حينا، قطعوا اوصاله تماما. احساس بضيق النفس و الاختناق انتابني كلما مررت عبر الحي وسط هذه القسوة الشاخصة امام عيني ، ابحث ف المحلات و في بقايا الاشجار عن طيف من ذكرياتنا فلا اجد. لا اعلم هل يجب علينا ايضا ان نرحل ؟ نرحل من البلد ام من الدنيا. حتما رحيلنا من الدنيا هو بيد صانع الاقدار ، اما رحيلنا عن البلد فهو محل الاختيار .
Thursday, October 20, 2022
Subscribe to:
Posts (Atom)