Friday, July 16, 2021

فقدان البهجة

 لم يترك مكان بغير اثر ، ولا صحبة بغير حياة ، لم يترك مغامرة تمر ، لم يتوقف لحظة واحدة ليلتقط انفاسه. كأنه كان يعلم ان الحياة لن تمهله، فاستمر في الركض بلا هوادة. كان اول من يلتف الاصدقاء حوله منذ صباه ، كأن  فيه شيء عجيب . طيبة قلب متناهية تغلفها عصبية عارمة. كان يستطيع اضحاك كل من حوله و في نفس ذات اللحظة قادر علي اغضابهم. لم يكن هناك شئ لم يجربه و لا حديث لم يتطرق اليه. بني مكتبة عامرة من شتي انواع الكتب و المجلات ، عرفت لذة القراءة بسببه و عشق الكتب عن طريقه. صار معرض الكتاب ادمان و الوقوف بالساعات في جناح الاهرام شوق لا ينضب. حلمت باغلفة كتب الهندسة و عشقت اغلفة مراجع الرياضيات الروسية بسببه. تعلقت اذاني باغاني عبد الحليم و نجاة من شرائط الكاسيت اللتي كان يسجلها بالساعات كنت صغيرا اضحك عندما يسف الشريط و هو يزمجر و يكاد يقذف الكاسيت من فوق الكومودينو ، ثم فجأه يتوقف عن اللعنات و بمنتهي الصبر يخرج الشريط و يصلحه. مابين تناقض الغضب العارم ورقة القلب الحالم عاش. عرفنا الهامبرجر عن طريقه و البيتزا بسببه ، كان زواقة في الاكل و مرجع في المطاعم لم يترك مكان لم يدخله ولا صحبة لم تجمعه . التف حوله كل من عرفه ، مابين اصدقاء الثانوي و الاسرة في كلية الهندسة . كان البيت كالنادي لاصحابه بل و الملجأ لمن كان في حاجة منهم، كنت اتعجب دائما ما السر الخفي الذي يجمعهم.  كان اول من يأخذ زمام المبادرة في كل شيء ، فكان اول من دخل كلية الهندسة و تبعناه ، اول من قاد الدراجة ، اول من اشتري ملابس من بورسعيد، اول من عمل حادثة ، اول من وجد عمل ، و ايضا اول من استقال من شركة حكومية مرموقة  من اجل ان  يخاطر  بفتح شركته الخاصة. اول من كسب و اول من خسر ، كان الاول في كل شئ و اي شئ. كنا نتعلم من اخطاؤه و نكون اكثر حذرا و نمشي وراء نجاحه و نكون اكثر حظا. ف كثيرا لا نعرف ماذا يريد ولا كيف سيحقق ما يريد و لكنه كان دائما و ابدا الناصح الأمين،  كان يخاف علينا اكثر مما يخاف علي نفسه ، اول لعبة احببتها كان وراءها صرت اعشق محال الالعاب في مصر الجديدة بسببه ، حتي محالات ملابس الرجال كان له فيها اصدقاء ، لا انسي نظرته لي عندي شرائي اول بدلة ، فرحة الاب في عينيه و سخرية الصديق في كلماته،  كان يريدنا ان نعيش تجاربه بدون ان نخوضها و نتعلم من عثراته بدون ان نقع فيها، حياته مثل جبل الثلج العائم نعلم منها مافوق السطح و الباقي خفي في الاعماق ، كان حكيم يعرف كل شيء و يقع في المشاكل كمن لم يتعلم شىء. كان مجلسه ممتع و صحبته لا تمل ، تضحك معه و تغضب منه في ذات الوقت بلا كراهية ، نحبه بغير سبب واضح  ، تتعامل معه كاخ كبير و في نفس ذات اللحظة تخاف عليه كطفل صغير . كان يدفعنا للنجاح بغير ان نعلم و يحثنا علي المثابرة بغير ان ندري. كان مندفعا بلا هوادة و حريصا بلا اندفاع. كنا نخاف عليه اكثر من أولادنا وفي نفس ذات الوقت نراه الأب الثاني . لم يعرفه احد الا ولمس طيبة قلبه فتجمع حوله الاحباب ،  كان يضحكنا جميعا  و يجالسنا بالساعات و لكنه عندما يقرر ان يذهب ، يذهب في لحظات وظل دائما كذلك. و عندما قرر الذهاب بلا رجعة ذهب سريعا و لم يترك لنا فرصة الوداع ، لم يرد ان يؤلمنا و لكنه اخذ معه جزء كبيرا منا ، ذهب وحده كما جاء وحده ،  كان الاول في كل شيء في الحياة و حتي في الممات . و مع ذهابه انهار كل شيء ، اثاره عالقة في كل مكان ، فراغ في قلب كل من عرفه و حزن لا ينقطع في عين كل من عاصره.  هذا الفراغ الرهيب اللذي كان يملؤه لم نكتشف حجمه حتي فارقه . اختلت الارض تحت اقدامنا و انهارات احلام الكبر حين رحل ، تغير طعم الدنيا و الاكل و الناس ، صارت بلا موسيقي ، بلا كلمات ، صمت مطبق و حزن مفجع.  لا نعرف كيف نفيق ولا كيف نكمل ما تركه. اب ثاني قد رحل و اخوين قد تيتما مرة اخري.

رحمك الله يا من كنت سبب فيما انا فيه الان من نجاح.