لم يترك مكان بغير اثر ، ولا صحبة بغير حياة ، لم يترك مغامرة تمر ، لم يتوقف لحظة واحدة ليلتقط انفاسه. كأنه كان يعلم ان الحياة لن تمهله، فاستمر في الركض بلا هوادة. كان اول من يلتف الاصدقاء حوله منذ صباه ، كأن فيه شيء عجيب . طيبة قلب متناهية تغلفها عصبية عارمة. كان يستطيع اضحاك كل من حوله و في نفس ذات اللحظة قادر علي اغضابهم. لم يكن هناك شئ لم يجربه و لا حديث لم يتطرق اليه. بني مكتبة عامرة من شتي انواع الكتب و المجلات ، عرفت لذة القراءة بسببه و عشق الكتب عن طريقه. صار معرض الكتاب ادمان و الوقوف بالساعات في جناح الاهرام شوق لا ينضب. حلمت باغلفة كتب الهندسة و عشقت اغلفة مراجع الرياضيات الروسية بسببه. تعلقت اذاني باغاني عبد الحليم و نجاة من شرائط الكاسيت اللتي كان يسجلها بالساعات كنت صغيرا اضحك عندما يسف الشريط و هو يزمجر و يكاد يقذف الكاسيت من فوق الكومودينو ، ثم فجأه يتوقف عن اللعنات و بمنتهي الصبر يخرج الشريط و يصلحه. مابين تناقض الغضب العارم ورقة القلب الحالم عاش. عرفنا الهامبرجر عن طريقه و البيتزا بسببه ، كان زواقة في الاكل و مرجع في المطاعم لم يترك مكان لم يدخله ولا صحبة لم تجمعه . التف حوله كل من عرفه ، مابين اصدقاء الثانوي و الاسرة في كلية الهندسة . كان البيت كالنادي لاصحابه بل و الملجأ لمن كان في حاجة منهم، كنت اتعجب دائما ما السر الخفي الذي يجمعهم. كان اول من يأخذ زمام المبادرة في كل شيء ، فكان اول من دخل كلية الهندسة و تبعناه ، اول من قاد الدراجة ، اول من اشتري ملابس من بورسعيد، اول من عمل حادثة ، اول من وجد عمل ، و ايضا اول من استقال من شركة حكومية مرموقة من اجل ان يخاطر بفتح شركته الخاصة. اول من كسب و اول من خسر ، كان الاول في كل شئ و اي شئ. كنا نتعلم من اخطاؤه و نكون اكثر حذرا و نمشي وراء نجاحه و نكون اكثر حظا. ف كثيرا لا نعرف ماذا يريد ولا كيف سيحقق ما يريد و لكنه كان دائما و ابدا الناصح الأمين، كان يخاف علينا اكثر مما يخاف علي نفسه ، اول لعبة احببتها كان وراءها صرت اعشق محال الالعاب في مصر الجديدة بسببه ، حتي محالات ملابس الرجال كان له فيها اصدقاء ، لا انسي نظرته لي عندي شرائي اول بدلة ، فرحة الاب في عينيه و سخرية الصديق في كلماته، كان يريدنا ان نعيش تجاربه بدون ان نخوضها و نتعلم من عثراته بدون ان نقع فيها، حياته مثل جبل الثلج العائم نعلم منها مافوق السطح و الباقي خفي في الاعماق ، كان حكيم يعرف كل شيء و يقع في المشاكل كمن لم يتعلم شىء. كان مجلسه ممتع و صحبته لا تمل ، تضحك معه و تغضب منه في ذات الوقت بلا كراهية ، نحبه بغير سبب واضح ، تتعامل معه كاخ كبير و في نفس ذات اللحظة تخاف عليه كطفل صغير . كان يدفعنا للنجاح بغير ان نعلم و يحثنا علي المثابرة بغير ان ندري. كان مندفعا بلا هوادة و حريصا بلا اندفاع. كنا نخاف عليه اكثر من أولادنا وفي نفس ذات الوقت نراه الأب الثاني . لم يعرفه احد الا ولمس طيبة قلبه فتجمع حوله الاحباب ، كان يضحكنا جميعا و يجالسنا بالساعات و لكنه عندما يقرر ان يذهب ، يذهب في لحظات وظل دائما كذلك. و عندما قرر الذهاب بلا رجعة ذهب سريعا و لم يترك لنا فرصة الوداع ، لم يرد ان يؤلمنا و لكنه اخذ معه جزء كبيرا منا ، ذهب وحده كما جاء وحده ، كان الاول في كل شيء في الحياة و حتي في الممات . و مع ذهابه انهار كل شيء ، اثاره عالقة في كل مكان ، فراغ في قلب كل من عرفه و حزن لا ينقطع في عين كل من عاصره. هذا الفراغ الرهيب اللذي كان يملؤه لم نكتشف حجمه حتي فارقه . اختلت الارض تحت اقدامنا و انهارات احلام الكبر حين رحل ، تغير طعم الدنيا و الاكل و الناس ، صارت بلا موسيقي ، بلا كلمات ، صمت مطبق و حزن مفجع. لا نعرف كيف نفيق ولا كيف نكمل ما تركه. اب ثاني قد رحل و اخوين قد تيتما مرة اخري.
رحمك الله يا من كنت سبب فيما انا فيه الان من نجاح.
في صداقة واخوة كدة يا بختكم ببعض عشتم ما لم يعيشه الكثيرون من مشاعر، اسعد وافتكر وعند الله يكتمل اللقاء
ReplyDelete